مظاهر التقلید والإبداع فی مقامات الحریری
بحوث في اللغة العربية - جامعة أصفهان - http://rall.ui.ac.ir/
المستخلص
فی القرن الرابع الهجری تسللت الفنون البدیعیة إلى النثر بعد أن کانت منحصرة بالشعر، وظهر ما عُرف بالتصنیع الذی أصبح سمة القرن. وفی النصف الثانی منه ظهرت المقامات بحلتها الجدیدة التی ألبسها إیاها بدیع الزمان الهمذانی، فقد جعل الهمذانی مقاماته تدور حول الکدیة والمکدین وحیلهم، وجعل لها راویاً ثابتاً، وبطلاً ثابتاً کذلک، وأغرقها بالمحسنات اللفظیة والمعنویة، وجعل هدفها الأصلی هو تعلیم الناشئة أصول الکتابة الأدبیة، أو ما نسمیه الیوم بالنثر الفنی.
وبعد مرور قرن ونیّف على ولادة الهمذانی، ولد فی البصرة أبو محمد الحریری الذی اقتفى أثر الهمذانی وسار على خطاه، سواء فی الأسلوب أو فی الهدف والغایة، ولکنه کان الطالب الذی بزّ معلّمه وتخطّاه. وإذا کان التصنیع من سمات عصر الهمذانی، فإن التصنّع هو من سمات عصر الحریری، وإذا کان الهمذانی قد أغرق مقاماته بالمحسنات البدیعیة، فإن الحریری قد غالى فی إغراق مقاماته بالبدیع. وإذ یعترف الحریری ـ محافظاً على الأمانة العلمیة ـ بتقلیده للهمذانی وبفضله علیه، إلاّ أنه ـ فی الواقع ـ أضاف إضافات أساسیة إلى المقامة وألبسها حلّة جدیدة تختلف کثیراً عن حلّتها القدیمة، وإن حافظت على کثیر من سماتها الأساسیة. فقد نوّع الحریری موضوعاته ونظّمها، وأطال مقاماته وزوّقها واهتمّ کثیراً بمسائل التعقید اللفظی والأحاجی اللغویة التی یعتبرها مهارة ومقدرة. ولعل هذا هو أهم ما یمیّز مقامات الحریری عن مقامات الهمذانی، حیث إنها کُتبت فی عصر التصنّع، فیما کُتبت الأخیرة فی عصر التصنیع. ولقد اشتهرت مقامات الحریری فی حیاته، إذ أجاز بخطّه «700» نسخة منها، عدا ما لم یُجزه، وقد وصلت إلینا کاملة، رغم قلتها عدداً (50 مقامة)، بالمقارنة إلى مقامات الهمذانی التی بلغت الأربعمائة، ولکن لم یصل منها سوى بضعة وخمسین مقامة. ولعلّ ما اتسمت به مقامات الحریری یفسر لنا شدة إقبال المختصین علیها آنذاک، بحیث نُسیت أو کادت، مقامات الهمذانی.
الكلمات الرئيسية
المقامات؛ البدیع؛ الراوی؛ البطل؛ التعقید اللفظی